هل يعيشُ العالُم مُنعطَفاً خطيراً في قضايا السلوكيات والأخلاق؟ أين مكاننا كمجتمعٍ مسلمٍ يُفترَضُ فيه التمسكُ بمكارم الأخلاق؟ هل ما أصاب العالم سينتقل إلينا؟ أم هل ما أصاب العالم قد إنتقل إلينا؟ ما دورُ الأسرةِ في تدعيم وتعزيز المواقف، والسلوكيات الصحيحة، وتجنيب النَّشْء مُنْكَراتِ الأخلاقِ والأهواءِ؟ أليس هناك أُسرٌ كيِّسةٌ فَطِنَةٌ تدرك عِظَمَ دوْرِها؟!
إننا -على أية حال- مُهدَّدون بأزمة أخلاقية موجِعة، لأنها تمسُّ ثوابتَنا الدينيةَ... وهُوِيَّتَنا الثقافيةَ... وهذه الأزمةُ منبثقةٌ من التمييع الأخلاقي عند غير المسلمين إذْ كلما إنحدر مؤشرُ الأخلاق عندهم إنتقل الأمر إلى المسلمين طالما أنَّ هناك أزمةَ فكرٍ وفراغًا يُتَلَقَّى دون غربلةٍ لكل واردات الفكر، كما قد تنشأ تلك الأزمة بإهمالنا الحالات الفردية والظواهر البسيطة التي سرعان ما تجتمع فتعدّ جماعيةً أو شبهَ جماعيةٍ من الصّعب قلعُها من المجتمع.
وتتضح مسؤوليةُ الأُسرةِ في تكوين تلك الأَزَمَاتِ الأخلاقيةِ إذا كانت جذورُ الأسرة غيرَ ثابتة، بمعنى: أنه لم تعتمدْ بذرةُ الأسرة في بدْءِ إنبثاقها على ثوابتَ إيجابيةٍ، وأهدافٍ ساميةٍ مما يؤدي بالضرورة إلى إنعدام المسؤوليةِ الشخصيةِ الأُسْرِيَةِ نحو توجيه النشْء إلى الصحيح من التصرفات والمواقف والأخلاق، أو إلقاء كل طرف المسؤوليةَ على الطّرف الآخر، ويزيد الأمرُ قتامةً إذا عُدِمَتْ القُدُراتُ، وفَقَدَ الواقعُ سيطرتَه على الخَرْق بتعدُّدِ نوافذِ وصول الإنحلال الخُلُقِيِّ والتخريبِ الفِكْريّ من صُحُفٍ ومجلاتٍ وقصصٍ تَبُثُّ الأدبَ المكشوفَ، وإذاعاتٍ وقنواتٍ فضائيةٍ مُوجَّهةٍ، وفي ظل ضعف أو إنعدام المراقبة الأُسْرِيّةِ على النشْء، فإن ما ستتركه هذه النوافذ من تأثيرات سيتمثل في:
1= تدمير القيم والسلوكيات.
2= قلب الحياة إلى لَعِبٍ ولَهْوٍ وزينةٍ وتفاخُرٍ.
3= والاعتقادُ بالضرورة الحتمية للترفيه.
4= وهو أمرٌ أوصل إلى الميوعة وحَيَّدَ الجِدّيةَ جانباً.
5= تلميعُ وسائلِ الإعلامِ المختلفةِ لعناصرِ الإنحلالِ وتقديمُهم على أنهّم مُثُلٌ عُلْيا للمراهِقين والمراهِقاتِ.
إنَّ مما يزيدُ من إثبات الدوْر الأُسْرِيّ تجاه تدعيم الأَزَمَاتِ الأخلاقيةِ النظرةَ الدُّونيةَ للحياة الدنيا على أنها نهايةُ المطاف وهو أمر جعل بعضَ الأُسَرِ لا تهتمُّ بإعداد النشْء للحياة إلا بقَدْرِ إستمتاعهم بها، مما أضعف من أهمية التربية الصحيحة للفرد، وضرورةِ إعداده ليأخذ من الدنيا بقَدْرٍ يُبَلِّغُهُ الآخرةَ.
ولعل أهمَّ أمر أدّى إلى ضعف الدَّورِ الأُسْرِيّ تجاه التدعيمِ الأخلاقيِّ هو شغورُ وظيفةِ الرعاية الأُسْرِيَّة... إذْ إنَّ كثيراً ممن يشغل هذه الوظيفةَ يفتقد إلى الدّرايةِ الصحيحةِ بالتربية الإسلامية الأُسْرِيَّة، ويحصر تلك الرعاية بالجوانب المادية.
وبعد، وفي ضوء ذلك كلِّه فإننا بحاجةٍ كذلك إلى التأكيد على أننا لا نستطيع أن نغرسَ شجرةَ الأخلاقِ بيد واحدة بينما تقوم الأخرى بقلعها، فهل بإمكانِ كلِّ الأطرافِ المعنيةِ بتربية النشْءِ عبْرَ كلِّ قَنَوَاتِ الإتصال التربويّ بثُّ دروسِ التربيةِ الأخلاقيةِ: قولاً وعملاً، لبذر بذور الأخلاق الفاضلة وتعهُّدِها ورَيِّها؟!
الكاتب: أفراح بنت علي الحميضي.
المصدر: موقع المختار الإسلامي.